مقاله لفضيلة الشيخ الدكتور محمد العريفي
ان الله - عزَّ وجلَّ - لما امتدح نبيه - صلى الله عليه وسلم - في كتابه الكريم قال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم: 4] وقال - تعالى - في مدح فريق من المؤمنين: { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ study } [آل عمران: 134] وكل هذا مدح لحسن الخلق، وإعلاء لقدره ومرتبه.. لذا قال أنس بن مالك : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً" متفق عليه. وقال: ولقد خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين فما قال لي قط: أفّ، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيءٍ لم أفعله: ألا فعلت كذا؟. متفق عليه. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق، وإن الله يبغض الفاحش البذيء" رواه الترمذي عن أبي الدرداء. ولما سُئل - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: "تقوى الله وحسن الخلق" ولما سُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: "الفم والفرج" رواه الترمذي عن أبي هريرة. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أنا زعيم لبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه" رواه أبو داود عن أبي أمامة الباهلي. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً" وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - أن يقول: "اللهم اهدني إلى أحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها، لا يصرف عني سيئها إلا أنت" رواه مسلم عن علي. وأول من يتضرر بسوء الخلق هو صاحبه، لما يلاقيه من بغض الناس له وكراهيتهم مصاحبته، قال الحسن البصري - رحمه الله -: "من ساء خُلُقُـه عذّب نفسه"، وقال الفضيل بن عياض: "لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق" وصحب ابن المبارك رجلاً سيئ الخلق في سفر فكان ابن المبارك يحتمله ويداريه، فلما فارقه بكى ابن المبارك فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: بكيتُه رحمةً به، فارقته وخلقه السيئ لم يفارقه. وحسن الخلق يرفع صاحبه في الدنيا ويرزقه محبة الناس واحترامهم، ويرفع درجته في الآخرة ويثقل ميزان عمله الصالح، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم"
وتكلم بعض العلماء بكلام جامع بيّن فيه حقيقة حسن الخلق فقال: هو أن يكون الرجل كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمـل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقوراً صبوراً رضياً حليماً، رفيقاً عفيفاً شفيقاً، لا لعاناً ولا سبَّاباً ولا نماماً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حقوداً، ولا بخيلاً ولا حسوداً، بشَّاشاً هشَّاشاً، يحب في الله، ويبغض في الله، ويرضى في الله، ويغضب في الله، فهذا هو حسن الخلق. وقال ابن المبارك - رحمه الله -: حسن الخلق: طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكفّ الأذى، وقال الحسن البصري: حسن الخلق: بسط الوجه وبذل الندى وكف الأذى. وحسن الخلق قد ذهب والله بخيري الدنيا والآخرة. ففي الدنيا يحبه الناس ويقدرونه ويحترمونه ويوالونه، وفي الآخرة يثقل ميزانه ويجلب رضا الرحمن.. نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق والأقوال والأفعال، وأن يصرف عنها لا يصرف عنا سيئها إلا هو. اللهم إنا نسألك من خيري الدنيا والآخرة، ونسألك المعافاة والعافية الدائمة، ونسألك أن تجعلنا أحب عبادك إليك يا ذا الجلال والإكرام.